الأدب عامة والشعر خاصّة سبيلان متفوقان لتهذيب النفوس وتشجيعها على التحلي بمكارم الأخلاق، وكذلك هما طريقان مشرعان أمام الذات لتعبّر عمّا يحتلج فيها من مشاعر وأحاسيس وترجتمها شعرًا أو نثرًا.
والشعر منذ أقدم العصور وحتى وقتنا الراهن يبعث في المتلقي نشوة عارمة وطربًا جميلاً،،، ولذلك لا نعجب من أنّ بيتًا واحدًا قيل في العصر الجاهلي تزوّج على إثره خمس فتيات دفقة واحدة.
وكذلك فإن بيتًا واحدًا كان كفيلاً بأن يطأطئ كل فرد من أفراد قبيلة نمير رأسه فترة وجيزةً من الزمن.
ولذلك اخترت لكم هاته الأبيات الجميلة عساكم تتمثلون بها في مختلف الظروف والأطوار:
لياليَّ بعد الظاعنينَ شُكُولُ * طِوالٌ وَلَيلُ العاشِقينَ طَويلُ
يُبِنَّ لِيَ البَدرَ الَّذي لا أُريدُهُ * وَيُخفينَ بَدرًا ما إِلَيهِ سَبيلُ
وَما عِشتُ مِن بَعدِ الأَحِبَّةِ سَلوَةً * وَلَكِنَّني لِلنائِباتِ حَمولُ
وَإِنَّ رَحيلاً واحِدًا حالَ بَينَنا * وَفي المَوتِ مِن بَعدِ الرَحيلِ رَحيلُ
إِذا كانَ شَمُّ الروحِ أَدنى إِلَيكُمُ * فَلا بَرِحَتني رَوضَةٌ وَقَبولُ
وَما شَرَقي بِالماءِ إِلّا تَذَكُّرًا * لِماءٍ بِهِ أَهلُ الحَبيبِ نُزولُ
*************
لا تحسبوا نأيكم عنّا يغيّرنا *** أن طالما غيّر النأي المحبّينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً *** منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
*********************
قال السماءُ كئيبةٌ وتجهّما *** قلتُ ابتسم يكفي التجهم في السما
قال الصبا ولّى قلت ابتسم *** لن يرجع الأسف الصبا المتصرّما
*********************
مرّت سنون بالسعادة والهنا *** فكأنها من قصرها أيّامُ
ثمّ انثنت أيّام هجر بعدها *** فكأنها من طولها أعوامُ
ثم انقضت تلك السنون وأهلها *** فكأنها وكأنهم أحلامُ
***********************
ممّا أضرّ بأهل العشق أنهمُ *** هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عيونهمُ دمعًا وأنفسهم *** في إثر كل قبيح وجهُهُ حسنُ
***********************
وليلٍ كموْج البحر أرخى سدولهُ *** عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلتُ له لمّا تمطّى بصلبهِ *** وأردف أعجازًا وناء بكلكلِ
ألا أيها الليل الطويل ألا انثنِ *** بصبح وما الإصباح عنك بأمثلِ
فيا لك من ليلٍ كأنّ نجومه *** بأمراس كتّانٍ إلى صمّ جندلِ
**********************
الدهر معتذرُ والسيف منتظرٌ *** وأرضهم لك مرتابٌ ومرتبعُ
فقد يُظَنّ شجاعًا من به خرقٌ *** وقد يُظَنّ جبانًا من به زمعُ
إنّ السلاح جميع الناس تحملهُ *** وليس كلَّ ذوات المخلبِ السبعُ
************************
ومن العجائبِ والعجائبُ جمّةٌ *** قربُ الحبيبِ وما إليه وصولُ
كالعيس في البيداء يقتلها الظما *** والماء فوقَ ظهورها محمولُ
**********************
أشارت بطرف العين خيفة أهلها *** إشارةَ محزونٍ ولم تتكلّمِ
فأيقنتُ أنّ الطرف قد قال مرحبًا *** وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيّمِ
*********************
وكنتُ إذا ما جئتُ جئت بعلّةٍ *** فأفنيتُ علّاتي فكيف أقولُ
وما كلّ يومٍ لي بأرضكِ حاجةٌ *** وما كلّ يومٍ لي إليك رسولُ
صحائفُ عندي للعتاب طويْتُها *** ستُنْشَرُ يومًا والعتاب يطولُ